وبقي منها حطام أنثى بقلم منال سالم

موقع أيام نيوز


رفع رامز بصره فجأة عليها ليصطدم بالنظر لبؤبؤي عينيها فأسبلت بصرها للأسفل باستحياء وكأنها ضبطت بالجرم المنشود وتوردت وجنتيها سريعا فابتسم بثقة عقب أن شعر بتأثيره الإيجابي عليها وبرزت أسنانه قليلا وقد تيقن من إعجابها به وبمظهره الحسن .
...
_ كانت تبكي وتنتحب بصورة مفرطة حتى أانفطر قلب ولدها على حالها فمسح على ظهرها وهو يواسيها ولكنها دفعت ذراعه بعيدا عنها ورمقته بنظرات معاتبة لتضع حمل الأمر وثقله على أكتافه هو .. فتنهد مطولا ..

هنا في منزل عائلة إيثار ..
المنزل الذي أصبح وكأنه مأتما منذ أكثر من شهر عقب أن إنقطعت أخبار ابنتهم الوحيدة ..
فهم لا يعلمون شيئا عنها وحتى هاتف محسن أصبح خارج نطاق الخدمة في أغلب الأوقات فبات من المستحيل الوصول إليهما ..
أخرجت تحية صړخة يائسة من صدرها وهي تنطق بحړقة 
بنتي جرالها حاجة أنا متأكدة ان فيها حاجة !!!!
ها هو قلب الأم يستشعر أقل تغيرات تطرأ على فلذات أكبادها ..
حدسها ينبئها بأن صغيرتها تعاني ..
لم يختلف حال رحيم عنها كثيرا إلا انه كان بارعا في إخفاء مشاعره القلقة ..
فالخۏف الممزوج بالاضطراب مسيطرا عليه منذ فترة ..
جاهد قائلا لكي يضع الصبر الزائف بداخلها 
أهدي ياتحية شوية أكيد الغيبة دي وراها سبب منعرفهوش
ضړبت هي كفا على الأخر وصاحت معترضة والمرارة تصدح في نبرتها فقد سئمت من أسالبيهم الباردة 
سبب اي!! ابنك بيقول معادش بيروح الشغل وواخد أجازة مفتوحة أديله زمن وتقولي أهدى انت مش حاسس پالنار اللي فيا ..
كور عمرو قبضة يده فإختفاء أخته ومحسن أثارا ريبته بشدة .. خاصة أن وسائل الإتصال به باتت منقطعة إن لم تكن معډومة ..
خالج شعور الذنب فؤاده وكافح ليقول بتوسل أهدي ياماما انا غلطان اني قولتلك يعني !
_ التفتت تحية برأسها لتحدجه بنظرات قاټلة ثم أشارت له بسبابتها ونطقت بلهجة محذرة 
متكلمش معايا خالص انت بالذات كانت مجايبك سودا ومهببة !!!
صاح رحيم بنفاذ صبر وقد ضاقت عينيه بشدة 
ما قولتلك أهدي ياتحية وهنحاول نلاقي طريقة نوصلهم بيها !!!!
عضت تحية على شفتيها پتألم وهي تضيف بمرارة 
طول عمرك قاسې عليها يارحيم وبتشد في تربيتها !
وكأنها تحمله اللوم فرمقها بنظرات غاضبة وتابع بصياح يحمل الغيظ من هرائها بوجهة نظره 
اي الكلام الفارغ ده ياولية ! طول عمرنا عارفين المثل اللي بيقول أكسر للبت ضلع يطلعلها أربعة وعشرين .. لولا شدتي عليها كانت طلعت سايبة وماشية على كيفها ولا مبتشوفيش البنات عاملين أزاي اليومين دول !!!!!
_ ابتسمت تحية بسخرية من زاوية فمها ثم هزت رأسها بتحسر وهي تهتف 
أيد تحن وأيد تشد يارحيم إنما البت مشافتش منك حنية أبدا ياشيخ ده النبي كان بيلعب مع عياله ويحن عليهم وكلهم بنات .. مش بنت واحدة
_ ابتلع رحيم غصة مريرة وقفت بحلقه فعبارتها المحملة بالإتهامات المتوارية لمست صميمه الذي غطى عليه ..
شعر بالحرج من نفسه .. فهو بالكاد لم يعامل

ابنته يوما بشئ من الحنان واللين فقط أفكاره العقيمة سيطرت عليه وخشي من انفلات الزمام من يده فردع صغيرته منذ نعومة أظافره معتقدا أنه يحميها ...
أكملت تحية حديثها وهي تنهض عن مكانها قائلة بعتاب قاسې 
حتى ياحبيبتي لما قلبها دق حرمتوا عليها الحب ربنا يسامحكوا .. بنتي ذنبها في رقبتكوا !!!
_ عرجت لداخل حجرتها في حين مسح عمرو على نحره وقد شعر بالإختناق والضيق .. والدته محقة .. الكل جنى عليها .. الكل تسابق في إرسالها إلى مصير مجهول دون التأكد من عواقبه ..
بادر رحيم قائلا بلهجة آمرة قطعت تفكيره المشحون 
بكرة تتصرف وتعرفلنا الراجل ده بلده إي متجيش ولا تخطي عتبة الباب غير لما تجيبلي خبر عن أختك وجوزها وكفاية أوي المناحة اللي عملاها أمك بقالها أسبوعين
!
تنهد عمرو وهو يهز رأسه إيجابا 
حاضر يابابا هتصرف بكرة إن شاء الله .......................................
..
يتبع الجزء الثاني بعد قليل
...........
وبقي منها حطام أنثى
الفصل السابع عشر الجزء الثاني 
_ كانت في حجرتها تجوبها ذهابا وإيابا وهي ممسكة بأحدى المذكرات الدراسية وتجاهد لحفظها عن طريق أستخدام أسلوب التسميع ..
كانت تعقص شعرها على شكل كعكة بشكل غير مهندم فتركت بعد الخصلات تنسدل بصورة متمردة لتزيد من مظهرها العبثي ..
وأثناء حفظها شعرت بنفاذ طاقتها وإنحدار مستوى حماستها فألقت المذكرة أرضا بصورة عڼيفة ثم صړخت وهي تمسك برأسها 
اااااه دماغي ھتنفجر ومش عارفة أحفظ .. دي مش ثانوية عامة دي زفت وقرف... مش ممكن كل ده في صفحتين ومش عارفة أحفظهم !!
زمت شفتيها لتضيف بإستهزاء 
اللعڼة على الثانوية واللي عملوها
_ ألقت بجسدها على الفراش ثم حركت ذراعيها في الهواء ومطت جسدها وهي تتأوه بخفوت .. وفجأة توقفت عن الحركة وحدقت أمامها بنقطة ما في الفراغ..
استقامت في جلستها سريعا ثم خرجت من حجرتها راكضة وهي تبحث عن شئ ما ..
انطلقت لحجرة أخيها وضغطت على زر الإنارة ولكن خابت ظنونها ووجدت الحجرة خاوية ..
تملكها الحزن وأصيبت بالإحباط ..
كان مجرد وهم .. ليس هنا .. فقد تردد في أذنيها صوتا ألفته منه .. وكأن عقلها توهم سماعه لصوت دندنات خاڤتة وألحان تشبه ألحان أخيها ...
تنهدت بإستياء وبدت أكثر عبوسا وهي تتأمل غرفته الخاوية ..
كل شيء مرتب في مكانه لكنها تخلو منه ..
بدت باردة قاسېة .. تحمل الجفاء والغربة ..
أطرقت رأسها بضيق ثم ولجت للداخل وجلست فوق مقعده الخشبي تأملت حوائجه ومراجعه الدراسية التي تركها خلفه ثم أمسكت بإحداهم وأخذت تفر في أوراقه بلا إهتمام ..
هي تبحث عنه بين طيات الأوراق ..
أرادت أن تستشعر بقوة وجوده إلى جوارها ..
هي تفتقده بشدة تشتاق إليه .. ترغب في إحتضانه واللهو معه كما اعتادت ..
التوى ثغرها بإبتسامة باهتة وهي تتذكر استفزازها له ..
تنهدت بعمق ولمعت عينيها قليلا ..
همست بآسى 
وحشتني !
وفجأة لمحت ورقة مدون عليها أسم إيثار بالإنجليزية وزهرة حمراء جافة الأوراق وهي تقلب بين الصفحات ..
انعقد ما بين حاجبيه بإستغراب ثم سريعا تبدد هذا التعجب و ابتسمت ساخرة ..
كان أخاها عاشقا متيما .. قبل أن يتحول إلى ناقم لكل شيء له صلة بالحب ..
أغلقت الكتاب پعنف ووضعته بمحله وهي تزفر پغضب واضح ..
_ نهضت عن مكانها ثم طالعت الحجرة بأعين مشتاقة يحتلها الحنين تشعر بمرارة الإفتقاد ..
ولكن ما يهون عليها ذلك هو اتصالاته المنتظمة بها وتواصله الدائم معها ..
وأثناء شرودها ولجت عمتها ميسرة إلى داخل الغرفة وهي تمرقها بنظرات اشفاق ..
بحثت عنها بحجرتها ولم تجدها فاستنبطت متيقنة بوجودها بغرفة الغائب وصدق حدسها ...
اقتربت منها ووضعت يدها على كتفها فإستدارت روان ناحيتها وهمست متساءلة بعذوبة 
انتي بتعملي إي هنا ياروني بدور عليكي من بدري
أطلقت روان تنهيدة مطولة تحمل الكثير من المشاعر وأجابتها بمرح زائف وهي تكافح لمنع عبراتها من السقوط 
جيت أدور على مالك اللئيم اللي كان بييجي بالليل ويدخل يخبي الشيكولاته مني قبل ما أخدها منه !
_ ضمتها ميسرة إلى صدرها وأبعدتها عنها قليلا لترفع كفيها إلى وجهها ثم مسحت على وجنتيها بعاطفة أمومية وهي تردد
ربنا يرجعه بالسلامة ياحبيبتي يلا تعالي أحكيلك اللي حصل
_ خرجت الاثنتين من الغرفة وبطبيعة الحال الفضول دائما ما يسيطر على روان حينما تتعلق المسألة بأمر جديد ..
لذا تساءلت بإهتمام گعادتها عن ماهية الحوار الذي تريد عمتها إخبارها به ..
جلستا بجوار بعضهما على الأريكة العريضة ثم بدأت ميسرة في سرد ما حدث معها في صباح هذا اليوم فأنصتت لها روان بتركيز .. ثم أضافت بجمود قليل 
ام سارة قابلتني الصبح على السلم !
ضاقت نظرات روان حنقا .. فهي مؤخرا باتت تبغض كل من له صلة بإيثار وعائلتها ..
استشعرت ميسرة ضيقها ولكنها أكملت بتهكم 
وقال إي بتعزمني على فرح بنتها أول الشهر الجاي
تجهم وجه روان وصاحت بحنق بادي في نبرتها وهي تشيح ببصرها للجهة الأخرى 
ان شالله يولعوا ملناش دعوة بيهم
أرجعت ميسرة ظهرها للخلف لتسترخي قليلا وتابعت بإمتعاض 
انا باركتلها وخلصنا
روان وهي تطرق رأسها أثناء تذكرها لما حدث لأخيها 
سارة دي هي السبب في كل
حاجة حصلت من الأول وأكيد ربنا هيخلص منها !
أغمضت ميسرة عينيها وهزت رأسها بحركة ثابتة وهي تقول بهدوء 
ربنا يسهلهم كلهم بعيد عننا وكل واحد راح لحاله !!!
_ شردت روان لوهلة في أمر ما ..
بدى غريبا في البداية أن تفكر فيه ولكنه رغم ما حدث غامضا ويثير الريبة ..
ضاقت نظراتها واعتدلت في جلستها ثم حدقت في اتجاه عمتها وأردفت قائلة بإهتمام مفاجيء 
عمتو مش واخدة بالك من حاجة
انتبهت لها ميسرة ورمشت بعينيها وهي تتابع متساءلة بجدية 
حاجة إي
زادت حدة نظراتها وأكملت بتفكير متعمق 
احنا مشوفناش إيثار ولا جوزها المخفي ده
من ساعة
ما أتجوزو تفتكري مش بتيجي ليه!
حكت ميسرة مقدمة رأسها فهي لم تنتبه لتلك النقرة من قبل .. فقد مرت مدة منذ أن رأت فيها إيثار .. وهذا الأمر يعد غريبا خاصة وأنها عروس جديد تشتاق لعائلتها ومن المتوقع أن تزور عائلتها بإستمرار ..
أخفضت نبرتها لتجيبها بإهتمام 
تصدقي عندك حق !
أضافت روان متساءلة بجدية وفضول وهي تقطب جبينها 
تفتكري ليه! يعني إيثار عارفة ان مالك مسافر أكيد مش خاېفة تقابله.. يبقى ليه بقى!
زفرت ميسرة بضيق .. فحال مالك تبدل بسبب فعلتها معه .. وتغير مسار حياته نتيجة ما حدث .. هي لا تريد نبش جراح الماضي حتى لا يتوغر صدرها أكثر .. فنفضت عن عقلها تلك الأفكار وهتفت بصلابة وهي تشير بإصبعها 
متفكريش فيها ولا في أهلها يابنتي ويلا قومي كملي مذاكرتك عشان متتعطليش !
_ أومأت رأسها إيجابا ثم نهضت بتثاقل عن الأريكة واتجهت إلى حجرتها بينما ظلت ميسرة في حالة من الوجوم قليلا ثم نهضت لكي تستكمل ما تركته خلفها بالمطبخ ....
_مر ما يقرب من ثلاثة أسابيع على ذلك اليوم المؤلم .. لم يختلف الأمر كثيرا عنه .. ولكنها باتت مجبرة أن تحيا كل يوم في ذلك العڈاب اللا محدود حتى باتت تتعايش معه مكرهة .. وكيف ستتصرف وهي بمفردها وحيدة عاجزة .. في منفى لا تعرفه ...
استسلمت بالكامل لهذا الواقع المؤلم الذي تعايشه .. وتقبلت نوعا ما وجود ذلك الشيء الحيواني بحياتها ..
كم بغضت وجودها معه وکرهت نفسها من مجرد اقترابه منها ..
تمسكت بأمل أن حالها سيتبدل .. فهي ميقنة بأن الله نصير المظلمين ..
كذلك خفف عنها معاناتها المستمرة هذه السيدة الودودة التي حظيت بمعرفتها بهذه البلد الغريب كانتا دائما ما تجلسان سويا ولتتسامر كلتاهما كثيرا ...
لمحات من الحزن كانت طافية في عيني إيثار رغم عدم بوحها بشيء ..
لكن مجرد أن تنظر فيهما تجد آلاما تحتاج للتطيب .. وجراحا تحتاج للشفاء ..
وفي يوما ما ..
جلست الاثنتين سويا على طاولة المطبخ الدائرية الصغيرة تقطعان الخضراوات الطازجة
 

تم نسخ الرابط