وبقي منها حطام أنثى بقلم منال سالم
المحتويات
!
ردت عليه ميسرة بنبرة أمومية حانية
تلاقي الخير يا حبيبي
بينما أضاف إبراهيم بصوت هاديء
وانت من أهله يا بني
وهتفت روان بإبتسامة رقيقة
باي يا مالوك !
ودعهم مالك ثم انصرف عائدا بصغيرته إلى فيلته وعقله لم يتوقف لحظة عن التفكير في إيثار .. معذبته !
....................................
مر أسبوع على ۏفاة رحيم وبدأت إيثار في استعادة حياتها من جديد فلن يقف الزمن برحيل أحدهم بل سيستمر في حركته ..
.. واقترحت أن تحل محلها مربية أخرى لرعاية الصغيرة ريفان حتى تستعد نفسيا للقدام لكنها تفاجئت برغبتها في العودة لعملها والتي لم تختلف كثيرا عن دهشتها في عدم قبول مالك ببديلة عن إيثار طوال الأيام الماضية .. بل على العكس أصر هو على حصول إيثار على راتبها كاملا دون أن يختصم منه جنيها واحدا فشكرته المديرة ممتنة لذوقه ورقي أخلاقه ..
كان وجهها ذابلا حد الشحوب و عيناها دامعتان لا تتوقفان عن البكاء إلا حينما تجف عبراتها فتنتحب بلا دموع ..
كما نحف
جسدها نوعا ما بسبب قلة تناولها للطعام هي لم تكن تأكل سوى لقيمات معدودة تجعلها تصمد فقط لكنها لم تكن كافية لتمدها بالقوة التي تحتاجها ...
إيثار !
ابتسمت لها إبتسامة باهتة وهي تهز رأسها بإيماءة خفيفة ..
احتضنتها راوية بقوة وقبلتها من وجنتيها ثم أخفضت رأسها لتعزيها بحرج
البقاء لله يا إيثار أنا أسفة والله معرفتش اجيلك بس زعلت أوي لما عرفت
ردت عليها إيثار بفتور
هتفت راوية بتحمس وهي تحسبها من كف يدها
تعالي ده ريفان هتفرح أوي لما تشوفك
تساءلت إيثار بهدوء
هي صاحية
ردت عليها راوية بتردد وهي تعقد ما بين حاجبيها
مش عارفة بس تعالي نشوفها سوا !
تعجبت هي من ردها الغامض ومع ذلك تحركت بإنصياع معها ..
سمعت وهي تصعد على الدرج صوت ضحكاتها البريئة وهي ترن بين الجدران فابتسمت عفويا ..
تحركت نحو غرفتها بهدوء ولكن تباطئت خطواتها نسبيا وهي تسمع صوت مالك الضاحك ينبعث من الداخل ..
اعتصر قلبها آلما ودار في خلدها ذكرى ضحكه مع زوجته وتساءلت مع نفسها بحزن هل كل يحبها هل كانا يضحكان معا كما هو الحال الآن مع ثمرة حبهما هل شعر يوما بها وبمعاناتها أم أنها كانت مجرد صفحة طواها من حياته السابقة ولم يبقى منها إلا ذكريات موجعة
تنهدت بيأس وهي ترمقه بنظراتها الملتاعة ..
هي تحن كثيرا إليه تشتاق لتلك الفترة في حياتها .. والتي أصبحت بالنسبة لها منذ زمن بعيد ..
لم تشعر بنفسها وهي تقف على عتبة الغرفة في حالة شاردة و محدقة بهما بنظرات واجمة مليئة بالحزن والإنكسار ..
استشعر مالك وجودها بقلبه قبل أن تراها عيناه فالټفت برأسه للخلف ليجدها واقفة أمامه ..
ابتسم عفويا لرؤيتها ولكن أزعجه حالتها تلك ..
اقترب منها بحذر وهو يهدهد صغيرته التي صاحت بتحمس وسعادة بكلمات مبهمة حينما رأتها ..
استطرد مالك حديثه متساءلا بإيجاز ليجذب انتباهها بعد أن لاحظ حالتها
الشاردة
ازيك آآ.. عاملة ايه الوقتي
أفاقت من شرودها على صوته الذي انتشلها من ذكرياتها البعيدة ..
نظرت له بغرابة .. حدقت فيه دون أن تطرف عينيها ..
أرادت أن يرى فيهما حزنها الدفين آلمها الذي يحاصرها منذ سنوات .. ۏجعها الذي ظل ملازما لها لليال طوال ..
إنتابت مالك حالة من الإستغراب حينما رأها تطالعه بتلك النظرات الغير معتادة منها ..
شعر وكأنها تود إخباره بشيء ما يعجز لسانها عن البوح به ..
طال صمتهما .. وطالت نظراتهما الصامتة وحتى ضحكات الصغيرة وكلماتها العابثة لم تحول دون حديثهما الغير مقروء ..
همس مالك بصعوبة وهو يحاول السيطرة على ثورة مشاعره المتأججة في صدره
انتي كويسة
أغمضت عيناها دون أن تجيبه هي ليست بخير على الإطلاق هي تعاني وبشدة ..
هي ټموت كل يوم مائة مرة من ذكرياتها التي تأبى أن تفارقها ..
هتف مجددا بنبرة متوجسة ونظراته قد تحولت للقلق على حالها
إيثار إنتي سمعاني إنتي كويسة
ابتسمت بشحوب قبل أن تستسلم لخدر صوته الذي وجدت فيه بلسم چراحها ..
لاحظ ترنح جسدها فأسرع بمد يده ليمسكها من ذراعها ففتحت عينيها على إثر لمسته ورمقته بنظرات معاتبة وهي تهمس بصعوبة بكلمة مقتضبة ولكنها تحمل بين طيات حروفها الكثير والكثير
ليه
لم يفهم المغزى من كلمتها المقتضبة وقبل أن يسألها مستفهما أغمضت عينيها بإرهاق لتسبح بعقلها في ظلام تعرفه جيدا ..
ضم الاثنين معا إلى صدره وتمسك بهما جيدا ثم مال برأسه ناحية إيثار لينظر لها بنظرات مرتعدة وصاح بهلع وقلبه قد قفز في قدميه من فرط خوفه عليها
إيثار .............................. !!!
الفصل الخامس والعشرون الجزء الأول
تبا .. ما هذا الشوق الذي لا ېموت
وأنا أهمس إسمها بخفوت ..
_ انخلع قلبه بقوة واهتز كيانه فجأة بعد أن خارت قواها واستسلمت لنوبة عميقة من النوم الغير إرادي ..
أمسك بها جيدا و ظل ينادي باسمها لعلها تفيق وتلبي ندائه ولكنها أثرت أن تغادر أرض الدنيا لبعض الوقت ..
وخزات تنغز بصدره آلما من رؤية شحوبها والهالات السوداء التي تكونت أسفل عينيها ..
والصغيرة على يده الأخرى .. وكأنهما عائلته الصغيرة يحميهما من غدر الزمن وأخطاره ...
استمعت الخادمة راوية لصوته المفزع فصعدت راكضة لترى ما الذي يحدث بالأعلى وما أن رأته مماسكا بها بشدة يخشى عليها من السقوط حتى شهقت بقوة ممزوجة بالفزع وهي تضع كفيها على وجهها فصاح بها أن تتحرك لتلتقط ريڨان من يديه والتي كانت على وشك البكاء على أثر صوته وهو يهدر بها ..
صاح بإنفعال كبير
أمسكي البنت انتي هتفضلي متنحة كتير !!!!
_ لم تفتح فمها بحرف واحد بل التقطت منه الصغيرة لتسنح له الفرصة كي يطبق على معذبته بذراعيه جيدا ..
حملت راوية الصغيرة وحاولت تهدئتها ولكنها كانت متخبطة في أمرها و مذبذبة التفكير لا تدري ما تفعله حيال هذا الموقف المفاجيء حتى أسعفها هو وأنقذها من حيرتها الصاډمة بعبارته وهو يصيح فيها بهلع
روحي كلمي الدكتور خليه يجي على هنا فورا سامعة يسيب أي حاجة في إده ويجيلي هنا حالا !!!!
أجابته راوية وهي تهز رأسها بتوتر جلي
ح.. حاضر !!
_ سارت بخطوات متعجلة وهي تطبق على الصغيرة بكفها على ظهرها حتى لا تنفلت منها وعقلها مشغول بأمر واحد هو تنفيذ أوامره حرفيا ..
طالع مالك إيثار بنظرات خائڤة متلهفة لا يعرف ما الذي تحملته لټنهار هكذا .. وما الذي تقصده بكلمتها المقتضبة ونظراتها المعاتبة ..
تلك النظرات التي أصابته في مقټل وهزت أقوى حصونه المنيعة ..
خرج بها من غرفة صغيرته ليتجها بها إلى غرفته ثم دنا من فراشه ووضعها عليه برفق ولين شديدين ..
لم تتركها عيناه للحظة واحدة ..
كان متلهفا عليها بكل جوارحه ..
_ مسح بكفه على بشرتها بحذر والتقط بأنامله عبرة عالقة بأهدابها كادت تسقط لولا أن التقطها بهم ..
عبس وجهه وإزداد ضيقا وهو يراها بهذه الحالة الواهنة ..
لم تعد كما كانت .. خطى الزمن على وجهها علامته حتى باتت بقايا أنثى عرفها يوما ..
هو يعتصر آلما بداخله و القسۏة التي كان يظهرها لها إنهارت مع إنهيارها ..
غضبه منها لا يقارن بلهفته عليها ..
ولكن ما من سبيل آخر يلجأ إليه للتنفيس عن كم غضبه منها ..
فآجلا أو عاجلا سيؤول إلى زوال ..
هتف باسمها وهو يقترب من أذنيها مرددا بنبرة شجية وهو يمسد على جبهتها پخوف بين
إيثار !! فوقي عشان خاطري .. قوليلي اللي عايزة تقوليه !! إيثار !!!
_ ولكن لا حياة لمن
تنادي ابتعد برأسه وهو يقبض على عينيه كابحا الوميض الذي يسبق عبراته غالبا ..
وقعت عينيه على كفها الذي لا يحمل خاتم زواجها فعاود نظراته السائلة لها وكأنه يحدثها عن ذلك الذي اختطفها من بين أحضانه لتكون له ..
مد يده ليمسك بكفها وأطبق عليه راحتيه فوجده باردا گقطعة الثلج .. فانتفض قلبه المضخ للدماء من بين ضلوعه وظل يفركه بقوة و بعجلة وينفخ بأنفاسه الحارة مجاهدا لبث الحرارة فيه ..
ثم وضع كفه على وجنتيها يتحسسها برفق وهو يهمس بخفوت لمس روحها الضائعة بعالمها الآخر
إيثار !! متعذبنيش أكتر من كده أرجوكي .. أتحركي أصرخي أعملي إي حاجة بس حسسيني أنك هنا معايا !
_ لحظات صمت أخرى مرت عليه وكأنها أدهر وهو ينتظر منها إشارة متمنيا رؤية عيناها ولا إراديا وضع سبابته على مكان الوغزة التي في وجنتيها ..
كم اشتاق لرؤية تلك الغمازتين اللاتين تنيران وجهها حينما تضحك ..
قطع عليه لحظته الفريدة معها صوت راوية المقترب من الحجرة وهي تحدث الطبيب الذي حضر للتو قائلة بهدوء
أتفضل يادكتور من هنا !
استقام مالك في وقفته ثم شد الغطاء عليها حتى لا تقع عيني الطبيب عليها مازال يغار عليها من أعين الرجال وأشباههم ..
ثم نظر بإتجاه الباب منتظرا وصوله لأرض الحجرة
حتى وقعت عينيه عليه فدنا منه وصافحه بحرارة وهو يهتف بلهجة ملتاعة مذعورة
أهلا يادكتور آآ... هي كانت كويسة و.. و فجأة كده أغمى عليها من ساعتها وهي زي ماانت شايفها !
_ اقترب الطبيب ثم مد يده لېلمس جبهتها فوجد حرارتها أقرب لأن تكون طبيعية للغاية ..
هز رأسه مستفهما ثم أسند حقيبته الجلدية على حافة الفراش وأخرج منها جهازا طبيا لقياس ضغط الجسم وأشار للخادمة وهو يردد بجدية
لو سمحتي ممكن تساعديني!
نظر لها مالك شزرا ثم نطق بإنزعاج ولهجة مقتضبة آمرة
اتحركي ياراوية
تحركت راوية ممتثلة لأمره بإتجاه الطبيب ثم وقفت تنتظر أوامره حتى هتف لها بثبات
أرفعي كم البلوزة من فضلك عشان أقيس الضغط
تابع مالك الموقف وهو يفرك كفيه بتوتر حتى شعر بجفاف حلقه من هول القلق خوفا عليها .
لم يكن يعلم أنه مازال يكن لها كل هذا الحب والشوق بل وأكثر مما مضى..
وما كان بغضه منها وكره لها إلا حبا متمردا على الوضع الذي هو فيه .
كان يتابع الطبيب بعينيه ولكن عقله كان شاردا فيها يفكر فيما قالته قبل أن تفقد وعيها بما حولها ...
حاول ربط الخيوط جيدا بما قالته روان عما يخص العزاء وما قالته هي من كلمة واحدة مقتضبة هز رأسه بقوة ليفيق على صوت الطبيب وهو يقول بجدية
ضغطها مظبوط لكن السكر واطي جدا في الجسم وطبعا ده بيأثر على أدرينالين الجسم أنا أدتيها حقنة دلوقتي تظبط نسبة
متابعة القراءة