رواية كاملة ورائعه للكاتبة ډفنا عمر
المحتويات
صح يا بابا
قالها بعفوية ليرتجف قلب أمين بين ضلوعه من حلاوة النداء الذي انحرم من سماعه القدر خبأ له أجمل هدايته في خريف العمر.. كأنه لم يسمع تلك الكلمة من قبل طيلة عمره.. أما جسار فأعادها عقله ثانيا لتترد داخله وتسد شقوق روحه وتروي أرضه القاحلة التي نبتت بها معجزة هويته من جديد.
صح يا حبيب ابوك..
قالها أمين داعما له بقوة ثم اقترب من الجد ونظر له بتقدير جم وهو يخبره بما يستحق لو فضلت عمري اللي باقي كله اشكرك
ثم كفكف جسار دمعاته ليغادر وهو يتوسط والده وعمه وجده الحبيب..متوجهين لمنزل أبيه الذي استدعي بهاتفه الجميع دون توضيح أسباب ليكون لقائهم الأول مع ابنه العائد بين أرجاء بيته كما يجب أن يكون.
سلطانها نافذ أينما حلت لها عيون ترى وذراع يحتوي.
لا تخطئ طريقها مهما تراكمت أسباب الضلال.
قلبها وحده عرفه قبل أن تظهر ماهية هويته.
شقيقها هو يشاركها الروح والعصب.
سند جديد ولج حياتها ليغيرها ويعطرها بعبق قربه.
كل شيء بدنياها ستتغير معالمه.
صار لها شقيق يحتويها كما تمنت.
يالا حلاوة اللقاء بينهما.
لا تدري الآن هل تعانقه ام تنفذ لثنايا أضلعه تختبيء به.
كأنها تخاف أن تفترق عنه ثانيا.
فلا طاقة لها على الغياب من جديد.
جسار..أخويا.
همستها وهي تقبل كتفه وهو يشتد احتواء حاني لها.
شقيقته كما كان يشعر نحوها دائما.
سارة.
صغيرته مدللته ما بقي له من عمر.
عيون أخوكي كنت حاسس طول الوقت انك قريبة من روحي وحتة مني وصدق إحساسي بيكي يا سارة.
ومن جديد سحبها في عناق شديد لتطلق هي عنان بكائها وهي تعانق أخيها..هي مثله أدركته منذ زمن..أقطابهما تجاذبت بشكل لم تفهمه حينها جسار أخيها..من ذات الصلب تجري بعروقهما دماء واحدة
يبكيان ويشاركهما ابيهما البكاء وذراعيه تحتويهما الان اكتملت عاىلته وما عاد شعور النقص يغزوه عاد صغيره وما عادت يد البعد تفرقهما بعد ذلك.
بعد أن كان يعاني الحرمان ويشتهي عناق من أبيه ووالدته.. لأن تتلقفه أيادي وصدور أفراد عائلته بلهفة وحب. الجميع في ذهول تام لمعرفة حقيقته وبركان عاطفة جياشة تفجر بينهم أولاد العم حمزة وريان.. وخالته جمانة شقيقة أمه ريحانته أما سارة فمازالت تنظر له مآخوذة كأنها تحلم بكل ما يحدث.
روح بقي لمراتك عرفها متأكد ان اما تعرف هترجع لوعيها وتسترد صحتها تاني.. أما اللي راح ماتزعلوش عليه لأنه خير.. لولا الجنين اللي ماټ ماكنتش عرفتنا وعرفناك ياحبيبي..
قالها أمين وهو يربت علي ذراعه ليؤكد رضوان أبوك عنده حق ياجسار..ربنا مش بيعمل حاجة وحشة.. وبإذن الله هيجبرك انت وبنتي..
قبلته خالته جمانة وهي تغمغم بحنان وهتجيبوا بنت زي القمر وتسموها ريحانة كمان..
ابتسم لها بعاطفة جديدة ولثم يدها ثم قال عندكم حق.. أنا هروح لشمس عشان لازم تكون وسطينا في اللحظة دي..
يحمد الله انه وجدها مازالت متيقطة قبل أخذ جرعة مهديء جديدة.. دنى منها وهو يطالعها بنظرة يفيض
منها كل حبه وحنانه وهو يهمس شمسي..
التفتت اليه لتقابله بوجه شاحب وبنظرة جامدة خلت منها الحياة تتلوي بجمر ظنها المخيف أن الرجل الذي تزوجته وحملت طفله يمكن أن يكون شقيقها.. الخاطر وحده الذي يذبحها ذبحا ما بال وقع الحقيقة عليها لو صدق ظنها
تريد الكشف عما تكابده وتخاف..بل ټموت هلعا.
حاول الاقتراب منها فابتعدت عنه سريعا كأن عقرب هاجمها تعجب جسار لفعلتها لكنه أرجأ الأمر لحالتها النفسية وتمتم بحنان شمسي عندي ليكي مفاجأة هتخليكي تقومي ترقصي من الفرحة..
رمقته بجمود كأن ما عاد شيء يفرحها حتي واصل
أنا خلاص عرفت مين أهلي ياشمس..
انتبهت له بعين محدقة بريبة ليستطرد أنا وانتي طلع دمنا واحد كان مكتوب نتقابل ونحب بعض عشان بسببك انتي أوصل لجذوري واعرفها.. أيوة ياشمسالفضل بعد ربنا اني اعرف اهلي هو انتي ياحبيبتي..صحيح فقدنا ابننا بس ربنا عوضني بعيلتي الحقيقية..
عيناه تدور على تقاسيم وجهه بحيرة..فرحته وحماس حروفه ينسف ظنها المخيف بقوة!
أنا ابن عمك ياشمسي أبن أمين.
اتسعت عيناها حد الجحوظ المرعب ونهضت من فراشها
وكاد الوهن والضعف يسقطها أرضا ليتلقفها جسار بين ذراعيه ويحول دون سقوطها وشمس تتكئ عليه تحتضن وجهه بين راحتيها هامسة بخفوت مذهول أبن عمي
يعني انت مش...
مش ايه ياحبيبتي
شوفتي القدر يا شمس روحي عرفت اخويا من غير ما افهم ليه منجذبة له.. كنت دايما اقولك مش عارفة اسمي مشاعري ناحية جسار ايه.. دلوقت بس فهمتها..
هتفت بها سارة بشرود لتربت على كتفها الأخيرة
فعلا..أنتي بالذات يا سارة قلبك كان دليلك..
وانتي مفيش مرة حسيتي إن دمك حن لجسار
غامت بعيناها مستعيدة لقطات خاطفة من عمر تعارفهما لتقول حسيتها أول مرة لما قرب مني وبصلي ارتجفت بس حاولت اخبي.. ومرة تانية لما شوفته في مكتبه
حزين حسيت بخنقة غريبة مافهمتش سببها.. ولما جه اشتغل معانا فرحت جوايا ولقيتني بعامله بود استغربته فيا وكنت فاكرة اني هكون فظة معاه بس مقدرتش في حاجة كانت بتشدني لجسار بس داريتها عشانك لما افتكرتك بتحبيه بس اما اتجوزنا اتملكت مني اكتر وحسيت انه حتة ولما حكيت لأمي اني متعلقة اوي به قالتلي لأنه حنين..بس هو كمان كان عنده نفس الشعور.
سبحان الله فعلا دمنا حن لبعضه.
فعلا ادعيلي يا سارة أقدر اعوضه اللي فات واحققله حلمه بعزوة من صلبه.
يارب يعوضكم اللي راح حبيبتي.
عصفت عيناها بحزن كلام الدكتور بيقول انه هيبقي صعب..
بس ربنا لا يصعب عليه شيء..
أومأت لها ونعم بالله يا سارة..
طب هو فين أخويا
عمي أمين اخده عنده في الأوضة بتاعته فوق..خلينا نستناهم.. أكيد عمي لسه مش مصدق انه رجعله وعايز يشبع منه..ولعلمك ممكن بابا يصمم تعيشوا معاه في الفيلا. خصوصا لما اتجوز أنا و البيت هيفضى.
أقرت برأيها زي ما جسار يقرر ولو اني حبيت بيتي اوي.
عادي يا شمس بيتك هيفضل موجود برضو وتبقي بين هنا وهناك.
تنهدت الأخيرة ربنا ييسر الخير يا سارة خلي كل حاجة لوقتها.
وافقتها الأخرى وقلبها لا يزال يحتفل بظهور شقيق لها
كم كانت تحبه دون أن تعلم.
يتبع
الفصل السابع عشر
طغيان الشوق اكتسح روحه وهو يتتبع أبيه حيث غرفته سيل المفاجأت والخبايا لا يزال يهطل من سماءه منحة بعد منحة يتلقاها جسار وداخله يذوب حمدا لله من فرط كرمه بعد أن كاد اليأس ېمزق خافقه ولأنه عاش عمرا لا يدري شيئا عن والدته صار بتسأل مثل طفل لحوح فضولي
كلمني عن ماما يا بابا.
كانت بتحب ايه
پتكره ايه
ملامحها تشبهني
أكيد كانت جميلة صح
ليها معاك صور
أسئلة انسابت من شفتيه وهو يجالس والده فرمقه أمين بحنان طاغي وتركه في موضعه متوجها لزاوية ما بغرفته ومن إحدي الأرفف الموصودة بخزانته جلب له ألبوم صور قديم يحتفظ بين صفحاته بذكراياته القصيرة مع زوجته الراحلة ريحانة.
انتزاعه جسار من يد أبيه بلهفة شديدة و راح يتصفح ألبوم الصور المكتظ ملامحها الحبيبة ليتآوه قلبه وهو يرى ملامح والدته للمرة الأولى وعيناه تحتضن محياها بشغف سحابة دموعه تكثفت وفاضت من عينه لتنهمر دون شعوره وهو ينهل من صورها القديمة وهي شابة جميلة.. هنا تبتسم.. هنا تضحك.. هنا تتعانق بأناملها مع أنامل والده..هنا تأكل.
كلما تصفح الصور كلما ازدادت دموعه ليجرفها أمين له بحنان وهو يغمغم كانت ملاك من كتر طيبتها..كل الصفات الحلوة كانت في أمك ريحانة كانت زي أسمها..عبيرها بيتخلل جواك من غير
ماتحس.
خسارة مش واخد من ملامح أمي حاجة.
قالها جسار بحسرة حقيقية ليهتف والده أنت واخد شعرها وشكل الحاجب.. ووارث منها حساسيتك للألبان..
ثم ملس علي شعره وقالتعرف أنا عندي ليك حاجة هتفرحك جدا يا حبيبي.. هدية من أمك ريحانة ويمكن تكون بشړة خير للي جاي.
راقبه جسار وجذوة لهفته لا تنطفيء و والده يتركه وقت قصير ليعود ومعه حقيبة كبيرة فض له ما فيها ليبصر جسار ملابس متنوعة وأشياء كثيرة تخص طفل رضيع..وأبيه يوضح
دي هدوم ولعب والدتك كانت اشتريتهم عشانك لما وصل حملها فيك للشهر السابع.. دي كل حاجتك اللي هي أختارتها بذوقها.. كانت بتنتظرك بفارغ الصبر.. سبحان الله ماكانش ليك فيهم نصيب يا ابني..كأنهم اتجابو لولادك مش ليك انت.
واستطرد وهو يربت علي وجنته بحب ولادك ياجسار اللي ربنا هيكرمك بيهم بإذن الله.. أول حاجة هتلمس جسمهم الهدوم اللي أختارتها والدتك اللي هي جدتهم.
بحرص كبير كأنه يحتوي بين يديه ماسة غالية التقط جسار قطع الملابس الصغيرة وراح يتشمم عبقها بشوق وعين خياله تجسد له والدته أمامه وهي تبتسم..القدر كان رحيم به ادخر له هداياها لتكون زاده وزواده بعد الفراق..كل قطعه ملابس تحكي له شيء عنها.. الألون التي كانت تفضلها.. ذوقها الرقيق حتى في ألعابه الصغيرة..راح يلثم كل شيء وبدأ يبكي بصمت ليشاركه أبيه البكاء ثم العناق مغمغما بعدها خلاص ياجسار كفاية دموع ياحبيبي كل واحد بياخد نصيبه والحمد لله انك رجعت لحضني تاني.. أوعدك اعوضك كل اللي فات.. من اللحظة دي هتاخد كل حاجة أولهم أسمي انت كبير عيلة أمين الرشيدي كل اللي املكه بقي ليك..
بدا جسار كأنه بعالم أخر لا يسمع والده.. غارق بين أشيائها يتخيلها معه تلاعبه بتلك الألعاب..تفهم أمين شروده وقدره..فمكث يتأمله بصمت ليرتوي منه ومازال لا يصدق أن طفله عاد إليه شابا يتعكز عليه في أخر العمر..
مبروك رجوع ابنك يا أمين
رغم أن عودة أبنه رحمة من رب العالمين ليكون سندا له ولشقيقته سارة وابنتها الوحيدة إلا أن شعور الغيرة بدأ يثقب قلبها بسهامه الچارحة بعد هذا العمر وهي تسمع أمين زوجها يحدث ابنه جسار و يتغنى بسيرة والدته ريحانة ويذكرها له بحنان كأن رجوع
جسار أحيا عاطفة زوجها تجاه زوجته الراحلة..لا تعرف ما الذي يحدث معها هل تبالغ حين تغار من سيدة لما تعد موجودة بدنياهم حقا لا تدري.
تنهدت صابرين بقلة حيلة هي بكل الأحوال تخفي مشاعرها تلك ولن يعلم عنها أحد.
الله يبارك فيكي يا صابرين ربنا كريم وحفظلي ابني ورجعه لحضني تاني.
تبسمت له بتوتر الحمد لله يا أمين أن ربنا جمعكم.
لاحظ غموضا بعيناها وطيف حزن تحاول إخفاءه فتسال باهتمام مالك يا غالية
أبدا مافيش حاجة.
امسك كفها برفق و قال لو بعد العمر ده كله ماعرفتش اقرا عيون مراتي يا صابرين يبقي اللي بينا ماكانتش عشرة.
حدجته مليا قبل أن تهمس وعيوني بتقولك ايه يا امين
منحها ابتسامة رائقة وهو يخبرها بتقولي انك ماتعرفيش غلاوتك عندي يا شريكة العمر.
برقت مقلتيها برضا فاستطرد أنتي عشرة سنين طويلة عشنا فيها كل حاجة ام بنتي ونور عيوني الصدر الحنين اللي بلاقيه لما احتاجه.
لمعت عيناها بسحابة دموع من إظهار مشاعره بما ترضاها وربت على قلبها وهو يواصل موضحا لها كلامي عن ريحانة والدة جسار ده حقه عليا لأنه اتحرم من أمه أقل حاجة اعوضه بيها اني اكلمه عنها ده مسكين ما داقش حنانها لحظة واحدة..لو تشوفي وهو بيتفرج علي صورها ولعبه اللي كانت جايباها عشانه كأنه رجع طفل صغير.. حسيت انه كان مبسوط وناسي الدنيا..ده كل اللي ناله من أمه يا صابرين سيرة حلوة وشوية لعب وهدوم على ذوقها لولاده إن شاء الله ده يزعلك في حاجة
كأنه أزال عنها غشاوة وغبرة الغيرة بكلماته هذه كيف تغار وكل ما ورثه هذا الصغير حفنة ذكرايات ردت له روحه وروت بعض ظمأه ذكرايات ارتشفها من شفتي أبيه وهو يحاكيه عنها.. غيرتها حقا أعمتها عن حقيقة ما يجري.
حقك عليا يا أمين.
قالت بعد أن خجلت من ذاتها ولامت ضميرها سرا فأجابها متفهما ماتقوليش كده أنا عارف انك أطيب مخلوقة وانك هتكوني أم تانية لجسار..مش كده.
ابتسمت وربتت علي كتفه هو وسارة ولادي ومفيش فرق بينهم يا أمين اطمن..وربنا يراضيه ويفرحنا بولاده.
يارب يا صابرين يارب.
كأني بسمع عن قصة لفيلم هندي.
هكذا تعجب أدم بعد أن قصت عليه سارة كل ما حدث لتجيب الأخيرة هي فعلا قصة غريبة بس حقيقية.. جسار طلع أخويا يا آدم عشان كده كنت بحب اكون قريبة منه ومتعلقة به.. مشاعري ناحيته كانت مختلفة عن اللي بحسها ناحيتك ودلوقت عرفت السبب.
تنهد بقوة مع قوله واخيرا مش هغير منه عليكي.. خلاص طلع اخوكي.
ابتسمت قائلة يعني كنت بتغير
كنت بټحرق مش بس بغير أنا اشتغلت معاكي في مكتبه مخصوص لأن ما اتحملتش تكوني معاه لوحدك وبعيد عن
عيوني.
رمقته بحب تجلى بين عيناها للدرجة دي كنت بتحبني
منحها أكثر نظراته عشقا هاتفها بخفوت أنا بحبك حب انتي لسه ماتعرفيش عنه غير القشور يا سارة.. بكرة الأيام تجمعنا وهتفهمي.
ومين قالك مش فاهمة أنا كمان بحبك يا أدم.
تآوه بلوعة ياااااه لو كنا متجوزين دلوقت.
ضحكت وقالت كنت هتعمل ايه يعني
غمز بإحدي عيناه الإجابة هتوصلك عملي بعد كتب الكتاب..
ضحكت ثانيا بخجل ونهضت تهتف طب يلا بقي يا استاذ وصلني البيت وبعدين روح نام وارتاح..
علي مضض نهض ليفعل وكله شوق ليجتمع بحبييته تحت سقف بيته.
جسار أمين الرشيدي
تحسس بانتشاء أسمه المنقوش فوق قالب صغير يعلوا مكتبه في شركة والده.. عادت هويته وتبدل نسبه ليصبح شرعا وقانونا أبن المهندس أمين الرشيدي..أستقام براحة علي ظهر مقعده مستعيدا بعض التفاصيل الماضية منذ علم انتمائه
لتلك العائلة.. الحفل العائلي الذي تم علي شرفه.. ترحيب الجميع به وحبهم الذي ادخره له قدره لم يعد ينقصه سوى أن يري صغار أصحاء من صلبه هو تنهد وهو يناشد ربه سرا بتحقيق هذا الحلم وتكون شمس هي من تحملهم بأحشائها.
قاطع خلوته القصيرة طرقا على باب مكتبه فصاح سامحا بالدخول لتهتف السكرتيرة
الاستاذ أشرف طالب يقابل حضرتك يا جسار بيه.
أمرها قائلا باهتمام خليه يتفضل بسرعة.
تبادل
متابعة القراءة