فاذا هوى القلب بقلم منال سالم
المحتويات
الجلسات من حنكة طه وحكمته المتمرسة في إدارة الأمور لصالحه. ومسألة كهذه ربما تنفعه مستقبلا إن كشف أمر زواج ابنه الخفي من طليقة دياب السابقة.
ورغم أن منذر لم ينطق بالكثير إلا أن نظراته كانت مھددة بخطړ مهلك.
فإستعادته للمواقف الحادة التي جمعته مع الحاج فتحي جعلت متحفزا للفتك به دون سابق إنذار.
بدأت الجلسة ووصلت فيها المجادلات الاعتراضية والمشادات الكلامية بين الطرفين لأشدها فكل جانب متمسك برأيه ومصمما على كونه الصائب.
فتحت عواطف الباب دافعة ابنة أخيها للدخول وهي تقول بود
خشي يا بنتي ده بيتك!
كانت تلك هي زيارتها الأولى لبيت عمتها لم تره من قبل وتمنت لو زارته بصحبة عائلتها لكن كتب لها القدر أن
تجيء إليه بمفردها. بل أن يكون منزلها مؤقتا في الفترة القادمة.
انتبهت هي لذلك الصوت الأنثوي المتساءل بإندهاش
مين دي يا ماما
رفعت رأسها ناحية صاحبته لترى فتاة تقاربها في العمر تطالعها بنظرات متفحصة لها.
انتي مين
أجابتها عواطف بصوت متحمس وهي تحاوطها من كتفيها
سلمي على بنت خالك.. أسيف!
نظرت لها بسمة بضيق وعبست قائلة
أها.. هي دي! أهلا
تابعت عواطف قائلة بجدية وهي توميء بحاجبيها
أسيف هاتقعد معانا هنا على طول إن شاء الله!
هتفت بسمة مصډومة
هنا! في بيتنا
أكدت والدتها ما صرحت به قائلة بحسم
ضغطت بسمة على شفتيها لتضيف بامتعاض
أها.. طيب!
استشعرت أسيف من نبرتها عدم تقبلها لوجودها وشعرت بالحرج لكونها ضيفا ثقيلا عليهن.
لم تنتبه بسمة لما أصاب أمها في رأسها من الخلف فقد كان الچرح متواريا أسفل حجاب رأسها المتهدل واعتقدت أنها تركته على تلك الوضعية متأهبة لنزعه عنها.
حصل ايه تحت يا ماما
اضطربت أسيف من وجود ابنتها الأخرى فقد تصادمت الاثنتان من قبل هي تتذكر تلك المواجهة فأخفضت رأسها متحاشية النظر إليها.
رمقتها نيرمين بنظرات مطولة منزعجة فهي لا تزال تحمل ضغينة في قلبها تجاهها.
هتفت عواطف قائلة بجدية
مش تيجي ترحبي ببنت خالك يا نيرمين! دي أول مرة تجيلنا و...
أنا رايحة أشوف رنا باينها صحت!
تأكدت أسيف في نفسها أنها لن تلقى ترحيبا في ذلك المنزل وأنها ستعاني من غربة أخرى موحشة لتزيد من تعاستها وبؤسها.
خلال الجلسة العرفية تم تغريم الحاج فتحي مبلغا ماديا طائلا كتعويض مؤقت عن إساءته.
هب واقفا من مقعده محتجا وثائرا
بحنق
كده كتير ليه يعني هو أنا غلطت في البخاري!!!!!
ضړب طه بعكازه الأرضية بصلابة ورد عليه بصوت صارم وهو ينتصب في جلسته
سمعة حريمنا ماتتقالش بالمال وده يعلمك تفكر قبل ما تكلم!
جذبه الحاج اسماعيل من ذراعه ليجبره على الجلوس قائلا بهدوء حذر
اقعد يا حاج فتحي احنا لسه بنتفاهم مع الجماعة!
جلس الأخير مجبرا وهو ينفث دخانا من أذنيه.
احتدمت المشادات مجددا ولم يجد هو بدا من الرضوخ لهم.
فاضطر أسفا أن يوقع على ورقة ما بهذا المبلغ أو ما يعرف بإيصال الأمانة ليقوم بسداده في فترة زمنية محددة.
أراد منذر أن يسترد حق اليتيمة المسلوب من هذا البغيض الذي أساء لها ببشاعة فاستطرد حديثه مرددا بثبات وهو يدير رأسه ناحية والده
اسمحلي يا حاج عندي حاجة عاوز أضيفها!
هز الحاج طه رأسه بالإيجاب مرددا بصوت رخيم
قول يا منذر!
استدار الأخير برأسه نحو الحاج فتحي وسلط عليه أنظاره القوية ثم تابع قائلا بصلابة مهيبة
عاوز حق اليتيمة اللي ملحقتش تحزن على أمها!
ثم تعمد رمقه بنظرات احتقارية قبل أن يتابع بازدراء
والحاج كان ناوي يسرقه غصبن عنها!
زاد تجهم وجه الحاج فتحي ورد عليه بعصبية بائنة مغتاظا مما قاله
نعم ده ايه ده كمان!!!
تابع منذر قائلا بصرامة شديدة
مالوش دعوة باللي يخصها من أملاك وورث ده حقها شرعا وقانونا!
استشاط فتحي من أسلوبه الحاسم المستفز له وصاح غاضبا وهو يلوح بذراعه
وانت بتكلم عنها بصفتك ايه فهمني حاشر مناخيرك معاها وآ....
تلك المرة قاطعه الحاج طه محذرا بشراسة
شوف لتاني مرة بأحذرك لسانك بيغلط!
زمجر الحاج فتحي هاتفا بنبرة محتقنة
ماهو مش أي هبل هيتقال والسلام وعاوزني أرضى بيه أنا مش لابس العمة وعاوزين تستغفلوني!
هدر به منذر بصوت مخيف ومهدد
لأ معلش أنا مش مچنون قصادك ولا بأقول هري على الفاضي ده شرع ربنا وحق اليتيمة واحنا مش
بنيجي لا على حق الولايا ولا اليتامى!
ثم نهض واقفا من مقعده واقترب منه بدرجة مخيفة ليحدجه بنظراته الساخطة وتابع قائلا بحزم يحمل الوعيد
واسمع مني الناهية هي مش تبقى بنت أخو الست عواطف يعني تبعنا واللي يدوس على طرف يخصنا مالوش دية عندنا!
شعر الحاج فتحي بالرهبة من تهديداته الصريحة وابتلع ريقه بتوتر شديد.
لم يتراجع منذر وظل باقيا في مكانه ليحدجه بنظرات أكثر شراسة.
هتف الحاج طه قائلا بصوت آمر
اقعد يا منذر واللي طلبته هايتنفذ!
تمتم الحاج فتحي قائلا بحنق
انتو عالم قادرة!
رد عليه منذر ببرود قاسې
بالظبط كده وربنا ما يوقعك معانا تاني ويكفيك شړ زعلنا..!
ثم أومأ له بعينيه ليشير إلى نفسه متابعا بتحذير شديد اللهجة
وخصوصا أنا!
عاد منذر ليجلس على مقعده المقابل له وظلت أنظاره القاسېة متعلقة به.
استمرت الجلسة لدقائق أخرى لوضع كافة الأمور في نصابها الصحيح وما إن انتهت حتى نهض الحاج فتحي على عجالة مرددا بمضض
بينا يا حاج اسماعيل أنا دمي فاير ومش طايق نفسي!
رد عليه منذر بابتسامة عابثة متعمدا إستفزازه
ما تستنى أما تشرب عناب يا حاج صدقني هيهديك!
صاح الحاج فتحي بنفاذ صبر
يالا يا حاج!!
تنهد بعدها منذر بعمق وهو يتابعه بنظراته المتشفية وثغره يعلوه ابتسامة منتصرة حتى انصرف تماما من المقهى.
رتبت عواطف غرفة ابنتها الصغرى بسمة لتكون ملائمة لأسيف لتمكث بها بمفردها خلال الفترة القادمة ومن أجل اعطائها مساحة من الخصوصية أثناء وجودها معها فلا تشعر بالحرج أو الخجل منها أو من ابنتيها.
شكرت الأخيرة عمتها قائلة بتهذيب متلعثم
كتر خيرك أنا.. أنا...
وقبل أن تكمل جملتها المترددة قاطعتها عواطف هاتفة بلطف
انتي هاتشكريني على ايه ده واجبي يا بنتي ارتاحي انتي بس دلوقتي ولو عوزتي أي حاجة ناديني! ماشي يا بنتي
ثم احتضنتها بود وقبلتها من وجنتيها ومسحت على صدغها وهي تبتسم لها.
بادلتها أسيف ابتسامة باهتة وقد لمعت عيناها بدرجة كبيرة.
أشارت لها عواطف بيدها متابعة
نامي يا بنتي وأنا هاجيبلك بيجاما من بتوع بسمة تغيري فيها
اعترضت أسيف قائلة بخجل
مافيش داعي أنا... أنا هدومي سيباها في اللوكاندة و...
ردت عليها عواطف بابتسامة مطمئنة
انتي بنتي دلوقتي فمتشليش هم أي حاجة ارتاحي بس ومتقلقيش أنا معاكي ومش هاسيبك!
بعد لحظات خرجت هي من الغرفة تاركة إياها بالداخل فأسرعت بسمة نحوها قائلة بتذمر وهي تنفخ بصوت مسموع
ذنبي ايه أطلع من أوضتي عشان دي!
رمقتها عواطف بنظرات مزعوجة من أسلوبها الفظ وردت عليها معاتبة إياها بغلظة
دي اللي مش عجباكي تبقى بنت خالك وهي هاتفضل معانا هنا!
زاد احتجاج بسمة وهي تضيف بسخط
يا سلام يعني هي تيجي وتتبغدد على حسي اشمعنى أوضتي أنا!!!!
ردت عليها أمها بتهكم وهي تشير بيدها
أنيمها في المطبخ عشان ترتاحي
كټفت بسمة ساعديها أمام صدرها وردت بتبرم
لأ بس مش في أوضتي! انتي عارفة إن أنا مش برتاح في نومتي مع حد!
بررت عواطف تصرفها قائلة
اعتبريه وضع مؤقت! بعد كده هاخليها تنام معايا!
غمغمت بسمة مع نفسها بازدراء
أه مۏت يا حمار وأنا أتسوح لحد ما ده يحصل!
رمقتها عواطف بنظرات متأففة ثم تجاهلتها وتعمدت عدم الرد عليها تاركة إياها باقية في مكانها لتتجه نحو المطبخ.
لحقت بها بسمة متابعة بإلحاح
ماقولتليش هاتعملي ايه
ردت عليها عواطف بضيق
بطلي زن فوق دماغي وخليني أعمل لقمة للغلبانة دي!
زفرت بسمة قائلة بسخط
ماشي يا ماما براحتك!
ثم تركتها وانصرف من المطبخ وهي تبرطم بكلمات متذمرة.
هزت عواطف رأسها مستنكرة جمود ابنتها وتنهدت قائلة بعشم
ربنا يهديكي يا بنتي ويحنن قلبك عليها.!!!!!
الفصل الخامس والعشرون
سحب الميكانيكي جسده بحرفية معتادة من أسفل السيارة المصفوفة عند ورشته ثم نهض واقفا على قدميه ومسح كفي يده في المنشفة البالية الممسك بها.
الټفت نحو صاحبها ليستطرد حديثه بجدية
سيبهالي يومين يا ريس منذر وأنا هاظبطلك كل اللي فيها
نفخ منذر بضيق كبير ودس يديه في جيبي بنطاله ورد عليه بامتعاض
أنا محتاجها ورايا شغل وماستغناش عنها
رد عليه بنبرة عملية وهو يشير بيده
عارف يا ريسنا بس هي متبهدلة على الأخر ده غير الإزاز اللي هايغيره والفوانيس اللي ورا والكابوت عاوز يترد و....
طب شوف المناسب وانجز على طول!
هز الميكانيكي رأسه بإيماءة واضحة وهو يرد
أوامر يا ريس منذر!
دس يده مرة أخرى في جيب بنطاله الخلفي ليخرج حافظة نقوده ثم سحب مبلغا ماليا منها وطواه في قبضته.
دنا من الميكانيكي وأعطاه له قائلا بجمود
خد دول دفعة تحت الحساب!
تناوله الميكانيكي منه ووضعه سريعا في جيب أفروله الكحلي الداكن بدلة عمله ليردد بحماس وقد اتسع ثغره
متشكرين يا ريس منذر!
اقترب منهما عامل أخر بالورشة قائلا بجدية وهو ممدد يده بكيس بلاستيكي
يا أسطا الحاجات دي كانت على الكرسي اللي قدام!
هاتهم يا واد!
قالها الميكانيكي وهو يأخذ الكيس منه فقد قام الأخير بتفتيش السيارة من الداخل ليتأكد من خلوها من أي مقتنيات شخصية ثمينة تخص صاحبها في حال تركها عند الورشة للإصلاح حتى لا تفقد فوجد ذلك الكيس بها.
استدار ليواجه منذر الذي بدا مندهشا كثيرا فقد تناسى رغما عنه إعطاء ابنة رياض متعلقات والدتها وظلت باقية معه في سيارته منذ أن استلمها من المشفى.
قطع شروده صوت الميكانيكي وهو يردد
اتفضل يا ريس منذر!
أمسك بالكيس البلاستيكي في يده وأضاف بجدية
هاعدي عليك كمان يومين ولو خلصت قبلها كلمني!
رد عليه الميكانيكي بصوت مرتفع
حاضر!
لوح له منذر بكف يده وهو يودعه قائلا
سلامو عليكم!
أجابه الأخير بصوت نخفض نسبيا
وعليكم السلام
سار منذر للأمام متطلعا إلى الكيس باهتمام ثم رفع رأسه ليحدق أمامه محدثا نفسه بضيق بائن على ملامحه
مجاش في بالي خالص أديها الحاجة بتاعة أمها!
نفخ بصوت مسموع وهو يكمل حديث نفسه
بكرة أبقى أعديهم عليها مع أي حد من الوكالة!
....................................
مط مازن ذراعيه في الهواء ثم طقطق فقرات عنقه بيده بعد أن أنهك نفسه كثيرا في العمل ليتأكد من إتمام المطلوب في طلبية الطعام.
انتبه لإهتزاز هاتفه المحمول الذي كان موضوعا على الوضعية الصامتة وبدا متأففا وهو يقرأ بعينيه الاسم الظاهر على الشاشة.
تكرر الإتصال مرة أخرى فأجاب عليه قائلا باقتضاب
خير يا ولاء
ردت عليه بتساؤل روتيني
مش ناوي تيجي
زفر بعمق وهو يقول بعبوس
لأ! عندي شغل!
سألته بدلال محاولة التأثير عليه لإثناءه عن قراره بالبقاء في العمل
يعني مش هاتتعشى معايا ده أنا مجهزالك عشا هيعجبك
متابعة القراءة