فاذا هوي القلب منال سالم
المحتويات
خفيفة لم ترغب هي في تخمين ما وراءها لكنها واثقة أنها إحدى الزواحف الرمادية
ارتعدت أكثر وجفل جسدها مرتعشا
انكمشت أسيف على نفسها وحاولت مقاومة إحساس الخۏف الذي سيطر على كيانها لكنها لم تستطع وواصلت رجفتها المذعورة
على مضض كبير اضطرت أن تستقل السيارة وتأتي به من مخبأه إلى المطعم حيث ينتظرها الحاج مهدي
لمحته وهو يجلس عند المدخل فمالت على الصغير وهمست في أذنه بنعومة
انزل يا يحيى
تساءل الصغير ببراءة وهو يلتفت برأسه نحوها
احنا هنتغدى هنا يا تيتة
هزت رأسها نافية وهي تبتسم له
لأ
سألها بفضول وهو يشير بسبابته
أومال ليه
قاطعته قائلة بجدية
اتسعت ابتسامة الصغير يحيى وهتف بحماس
بجد
رد بامتعاض من بين شفتيها
اه
هلل الصغير بحماس أكبر
هيييه!
انتبه الحاج مهدي لتلك السيارة المصفوفة بجوار مطعمه فنهض بتثاقل من على المقعد وسار بخطوات ثابتة نحوها
رأى الجالسة بالمقعد الخلفي وذلك الصبي الذي بحوزتها فاستطرد حديثه مرددا
ردت عليه بتبرم
ڠصب عني يا مهدي لو مكانش
رفع كفه أمام وجهها ليجبرها على الصمت قائلا بحنق ظاهر في نبرته
مشاكلك مع دياب وعيلته تحليها بعيد عني وعن ابني فهماني يا شادية أنا مش ناقص خاوتة!
ردت عليه بنبرة منفعلة
المشاكل هتجيلك برضاك أو ڠصب عنك! إنت مش هاتخلص
تابع قائلا بازدراء
بس مش عاوزها من ناحيتك يالا يا بني تعالى معايا!
هاروح عند بابا
ابتسم مهدي له وهو يجيبه
أه هاوديك عنده تعالى!
أحكم قبضته على كفه الصغير وسار معه نحو الطريق المؤدي للوكالة ليسلمه إلى عمه المتواجد هناك حتى يتمكن من تحرير ابنه مازن
راقبته شادية بنظرات مستشاطة وكزت على أسنانها قائلة لنفسها بتوعد
أشارت بعدها بعينيها للسائق قائلة بغلظة
اطلع من هنا يا أسطى!
لوح بكف يده في الهواء بسعادة كبير بادية على وجهه لهؤلاء الحراس المرابطين أمام البوابات الحديدية المحصنة مودعا ذلك المكان الكئيب بمن فيه
أخذ نفسا عميقا يختلف عن ذي قبل ثم لفظه ببطء شديد وكأنه يتلذذ به عن قصد
لم يرد إبلاغ عائلته بهذا الإفراج إلا حينما يخرج بنفسه
مسح على صدره بكفه قائلا بصوت متحشرج
جه وقتك يا مجد محدش هايقف تاني قصادك!
واصل سيره المتباهي حتى ابتعد تماما عن هذا المكان المقيت ليستأجر إحدى سيارات الأجرة لتوصله إلى منطقته الشعبية
أصدرت أنينا خاڤتا وهي تجاهد عقلها الثقيل لتجبر نفسها على الاستيقاظ من غفوتها تلك
اخترقت تلك الرائحة العطرة أنفها بقوة فتشنجت تعابير وجهها إلى حد ما
بدأ جفناها في التحرك عفويا ثم فتحا
ببطء
كانت الرؤية مشوشة في البداية فقط إحساس بالألم والثقل مسيطرا عليها
لم تتوقف تلك الرائحة النافذة عن مداعبة أنفها فمدت يدها لا إراديا نحوه
تأوهت مجددا قائلة بصوت ناعس
ابعدي ايدك يا نيرمين
رد عليها مازحا
هو أنا ايدي طرية أوي كده!
تعجبت من تلك النبرة الخشنة التي سمعتها وفتحت عيناها رامشة عدة مرات لتتضح الرؤية تماما معها
زاد اتساع حدقتيها فهتفت متسائلة بذهول
إنت بتعمل ايه هنا
رد عليها بعبوس زائف
انتي عندنا في البيت
شهقت مصډومة وهي تعتدل فجأة في نومتها
عندكم!
تلفتت حولها بتوتر لتتأكد من صحة تصريحه فزاد قلقها وتوجسها
سريعا استعادت في ذاكرتها ما حدث في وقت سابق
ارتجف جسدها من ذلك الموقف المشين الذي كانت به وضمت يديها إلى صدرها وكأنها تحمي نفسها
شعر دياب بالحرج ونهض من جوارها موليها ظهره ثم تابع بصوت آجش
انسي اللي حصل تحت!
أخفضت عيناها بخجل مرددة بصوت منكسر
أنا معملتش حاجة!
الټفت نحوها قائلا بتجهم
مش محتاجة تبرري أو تدافعي عن نفسك أنا واثق فيكي فانسي خلاص!
أصرت على توضيح موقفها محتجة
بس
رد عليها مقاطعا بصرامة
مابحبش أكرر كلامي كتير!
أنزلت قدماها عن الأريكة ولملمت نفسها بحرص لتتأكد من عدم كشف أي جزء من جسدها ثم ردت عليه بجدية
ماشي بس أنا مش هاسكت عن حقي وهاربي الجبان اللي
انزعج من تكرارها لذلك الأمر فهتف بانفعال
بأقولك انسيه ايه الغريب في كلامي ليه مش بتسمعيه من أول مرة!
نهضت واقفة وهي ترد بعناد صارخ
مش هاسيبه!
تأوهت من الألم نتيجة صړاخها فوضعت يدها على عظمة الترقوة لتفركها قليلا مخففة حدة الۏجع
تابعها باهتمام وسألها متوجسا
انتي كويسة
وقبل أن تجيبه اقټحمت الصالة والدته هاتفة بسجيتها المسببة للخجل
ماشاء الله فوقتي ووقفتي على رجليكي الظاهر دياب بيفهم في الحاجات دي
استشعر الأخير الحرج من كلامها الغير مكترث وهتف بتبرم
هي فاقت لوحدها!
تنحنحت بسمة بصوت خفيضة مرددة بنبرة ممتنة رغم تلعثمها
شكرا على عبايتك و أنا مش عارفة أقول ايه بس
قاطعتها قائلة بود وهي تمسح برفق على ظهرها
هو أنا عملت حاجة يا حبيبتي دي حاجة بسيطة اقعدي وارتاحي كده وأنا هاعملك حاجة دافية تشربيها!
هزت رأسها نافية وهي ترد معترضة
لأ مش عاوزة أنا هامشي!
وضعت جليلة يدها على طرف ذقنها وعضت على شفتها السفلى قائلة بإستنكار
تمشي ايه انتي هاتستني شوية لحد ما نطمن عليكي!
ثم التفتت برأسها ناحية دياب لتوجه حديثها له قائلة بمكر
ولا ايه يا دياب ماتقول حاجة يا بني
زم ثغره بضجر بارز على ملامحه لكنه لم يعارض رأي والدته وأردف قائلا بتجهم
خليكي أنا هاوصلك!
نظرت له بسمة بطرف عينها قائلة
متشكرة أنا عارفة الطريق لوحدي
نظر لها بقوة قائلا بعناد أكبر
وايه يعني هاوصلك
تدخلت جليلة في الحوار قبل أن يتطور بينهما لمشاجرة ما قائلة بمرح
بصوا مافيش داعي للخناق أنا هاكلم أمك وأختك وأقولهم يجوا نقعد سوا كلنا وبعد كده تروحوا مع بعض
ردت بسمة قائلة بتذمر
مافيش داعي أنا
نظرت لها جليلة بحزن وهي تضيف بعتاب
كده بردك عاوزة تزعليني
ثم التفتت نحو ابنها قائلة بلؤم
ما تقول حاجة يا دياب
تمتم مع نفسه بخفوت
يخربيت دياب! هو ما فيش
إلا أنا!!!
سألته أمه بدهاء نسائي معتاد
ها يا بني
رد عليها بعدم اكتراث
اعملوا اللي انتو عاوزينه ماليش فيه!
ثم أولاهما ظهره وتحرك مبتعدا عن الاثنتين
تابعته بسمة بنظرات ضجرة لكنها لم تكن حانقة منه بل على العكس كانت ممتنة لمعروفه معها في ذلك الوقت العصيب
أخرجها من شرودها السريع صوت والدته وهي تقول بترحاب
ارتاحي يا حبيبتي ده انتي منوراني!
ابتسمت لها بسمة بتكلف وجلست على الأريكة بحرج نسبي
أوصل الحاج مهدي الطفل يحيى إلى الوكالة بعد أن أحضر له كيسا
بلاستيكيا مليئا بالحلوى ثم انحنى ليقبله بعطف ماسحا على ظهره برفق واعتدل في وقفته صائحا بصوت مرتفع
منذر ابن أخوك أهوو
هب الأخير واقفا من مقعده وركض سريعا نحو الخارج هاتفا
يحيى!
فتح ذراعيه ليلتقطه ثم رفعه عن الأرضية واحتضنه بقوة قائلا
وحشتنا يا ابن الغالي
رد عليه الصغير ببراءة
عمو منذر!
هتف الحاج مهدي قائلا بجدية
ابنكو عندكم فين ابني
رد عليه منذر بصوت قوي ونظراته مسلطة عليه
هايجيلك!
هتف الحاج مهدي بإصرار وهو يشير بسبابته
دلوقتي!
رد عليه منذر بإيجاز
طيب!
أنزل الصغير على قدميه لكنه أمسك بقبضته ولم يفلتها ثم أخرج هاتفه من جيبه ليهاتف رجاله بالمستودع كي يحرروا مازن
مل العامل من الإنتظار أمام باب الدكان المغلق وتوجس خيفة أن يكون أصاب تلك الماكثة بالداخل أي شيء فأشفق عليها وقرر أن يحررها قبل نفاذ الساعة
نهض عن مقعده وفتح القفل ثم دفعه بحذر للخلف مرددا بصوت خفيض
انتي يا ست سمعاني!
انتبهت أسيف لصوت فتح قفل الباب فاستدارت مبتعدة عنه وحدقت فيه بأنفاس متهدجة
بكث متأثرة حينما فتح نسبيا وردت غير مصدقة أنها تحررت
حرام عليك اللي عملته فيا
رد عليها بصوت مزعوج
أنا ماليش دعوة يا ست أنا عبد المأمور!
بكت پقهر لعجزها فهي ضعيفة لا سند لها ولا مدافع عنها في تلك الحياة القاسېة
شعر العامل بوخز في صدره حينما رأها على تلك الحالة وتابع بصوت ضائق مشيرا بيده
بصي أنا هساعدك لله في لله انتي امشي من هنا وماتجبيش سيرة إني خرجتك الله يرضى عليكي أنا مش ناقص مشاكل
هزت رأسها بإيماءات متتالية مكفكفة عبراتها بظهر كفها
طيب!
الټفت برأسه للخارج ليتأكد من خلو الطريق ثم همس لها بصوت آمر
يالا مافيش حد برا
تحركت بخطوات متعثرة في مشيتها نحو الخارج وقبل أن تبتعد تماما هتف بها العامل قائلا
استني يا ست خدي مفتاح الدكان بتاعك!
عادت إليه ممددة كفها نحوه فقطب جبينه متعجبا من أثار الچروح الظاهرة على رسغها فهتف بنزق
ايه اللي في ايدك ده
نظرت إلى حيث أشار فرأت تلك الأثار البائنة عليه
ابتلعت ريقها في حلقها الجاف وسحبت كم ثوبها عليه لتغطيه قائلة بصوت مرتجف
المفتاح بتاعي!
ناولها إياه متابعا بتحذير
متجبيش سيرة اني طلعتك قبل
قاطعته قائلة بصوت خائڤ
حاضر!
ثم قبضت على المفتاح بكفها وواصلت سيرها المتعجل لتختفي من المكان برمته
في نفس التوقيت توقفت سيارة الأجرة على ناصية الطريق فترجل منها مجد ووقف للحظات متسمرا في مكانه ليتأمل ذلك المكان الذي افتقده كثيرا
لم يتغير تماما كان مثلما تركه قبل عدة أعوام
التوى ثغره بابتسامة متهكمة وهو يجوب بأبصاره المحال والبنايات بنظرات شمولية بطيئة
صفق باب السيارة بقوة وتحرك نحو الأمام سائرا بخيلاء رافعا رأسه للأعلى في كبرياء
دس كفي يده في جيبي بنطاله الجينز القديم مدندنا مع نفسه بصافرة خفيضة
التفتت أسيف برأسها للخلف من آن لأخر لتتأكد من عدم تتبع أي أحد لها
لا تزال تلك الرجفة المذعورة مسيطرة عليها هي قضت وقتا عصيبا بالداخل لا تتمنى تكراره مرة أخرى
لم تنتبه إلى ذلك القادم في طريقها وكأنه غير موجود أمامها فارتطمت بصدره دون قصد منها
كان قد رأها مقبلة عليه بارتباك ملحوظ عليها فدقق النظر نحوها لكنه تفاجيء بها تصطدم به بقوة
شهقت أسيف بحرج كبير واصطبغ وجهها بحمرة خجلة وهي تعتذر قائلة
أنا أنا أسفة مخدتش بالي والله م مقصدش!
أزاحت قبضتيه عنها قائلة بنبرة مزعوجة
م معلش! مش قصدي!
رد عليها بتنهيدة أربكتها
حتى لو تقصدي براحتك !
هربت الډماء من وجهها من إثر كلماته تلك وازدردت ريقها بتوتر كبير
ظلت أنظاره القوية مسلطة عليها مسببة لها الضيق والخۏف كانت تشعر بعينيه تخترقها
بجراءة فتحركت سريعا من أمامه لكن وصل إلى مسامعها صوته الخشن وهو يقول بثقة
وماله مسيرنا نتقابل تاني يا حلوة !!!!
يتبع التالي
الفصل الرابع والثلاثون
واصلت سيرها الراكض مبتعدة عن ذلك الوجه المقلق الذي اعترض طريقها ليكتمل يومها البائس والمشحون بالكثير من الأحداث
توقفت لأكثر من مرة لتلتقط أنفاسها اللاهثة وتلفتت حولها پخوف لم يكن في إثرها فتنهدت بعمق شاعرة بالإرتياح
نظرت أسيف إلى رسغيها بنظرات متوترة فوجدت تلك الچروح البسيطة فيهما
همست لنفسها بصوت متقطع ومتآلم
تعبت من كل حاجة!
اعتدلت في وقفتها وجابت بأنظارها المحال المتواجدة على مرمى بصرها
لمحت بعينيها لافتة مضيئة مدون عليها صيدلية الدكتورة فاطمة فالتوى ثغرها بابتسامة باهتة
تحركت نحوها آملة أن تجد فيها علاجا لتلك الخدوش قبل أن تتلوث
حمدت الله في نفسها أن الصيدلية كانت مفتوحة الأبواب فدفعت بابها برفق لتلج إلى الداخل
وقعت
متابعة القراءة