فاذا هوي القلب منال سالم
المحتويات
وأشرق نهار أخر معلنا عن يوم جديد في حياة الجميع
استعدت عواطف للعودة إلى منزلها وبالطبع لم تتركها جليلة لا هي أو حتى ابنتيها وكذلك ابنة أخيها دون القيام بأخر واجبات الضيافة معهن
تحرجت بسمة من الخروج من الغرفة وأثرت البقاء بها حتى لحظة انصرافهما متحاشية الالتقاء بدياب
هو لم يكن واعيا ليقابلها فقد غفا في غرفته حينما تأكد من خلوها من الضيوف
أنا هاوصلهم بعربيتي خليهم بس يجهزوا وكلميني!
ردت عليه بلطف
وماله يا منذر! يخلصوا فطار وهاطلب عليك!
ماشي!
وبالفعل ما إن انتهت جميعهن من تناول الإفطار حتى اتصلت بابنها لتؤكد عليه استعدادهن
لم يحتاج لأي وقت للوصول فقد مكث أسفل المنزل منتظرا تلك المكالمة
عواطف مرددة بسعادة
أنا فرحانة إنكم حواليا ربنا يديمكم نعمة في حياتي
ردت عليها جليلة بود وهي تمرر أنظارها على الثلاث شابات
يا رب يا عواطف والله إنتي ربنا بيحبك ورزقك بشوية بنات زي السكر!
كان بودنا يا خالتي نقعد معاكي أكتر بس مايصحش نتقل عليكم أكتر من كده كفاية إن سي منذر نام برا و ودياب كمان!
ثم اقتربت منها لتقبلها بحنو زائد لكنه مصطنع
ردت عليها جليلة بمكر وهي تمسح على ظهرها برفق
يا ريت تتقلوا هو أنا
عندي أعز منكم!
رسمت نيرمين على ثغرها ابتسامة متكلفة وهي ترد
أضافت جليلة قائلة بجدية
عاوزة أشوف البنات تاني يا عواطف وخصوصا الكتكوتة دي!
ثم أشارت بعينيها نحو الرضيعة
تحمست نيرمين كثيرا لترحابها الشديد بها وردت بسعادة
والله دي ما شافت نوم ولا راحة إلا هنا البركة موجودة في كل حتة في البيت!
وضعت جليلة يدها على رأس الرضيعة ومسحت بحذر شديد
عليها قبل أن تنحني برأسها عليها لتقبلها برفق وهي تقول
أضافت عواطف هي الأخرى بابتسامة مجاملة
يا رب أمين تسلمي على ذوقك!
التفتت جليلة برأسها نحو بسمة ثم قالت بألفة
وإنتي يا بسمة مش محتاجة وصاية العيال معتمدين عليكي في المذاكرة!
أومأت برأسها بالإيجاب قائلة بإيجاز
أكيد!
هتفت عواطف مودعة إياها بإمتنان
فوتك بعافية يا ست جليلة!
ردت عليها الأخيرة بلطف
ثم أشارت بحاجبيها لأسيف وهي تضيف بصوت هاديء
وسلامتك يا بنتي!
ردت هي عليها بصوت خاڤت
الله يسلمك
تابعت جليلة قائلة بتفاؤل
إن شاء الله تطيبي قريب!
اغتاظت نيرمين من ذلك الحوار الودي الدائر بينهما وهمست بغل
إياكش تقع على بوزها وهي نازلة!
تحركت بسمة أولا في اتجاه الباب لتفتحه لكن تجمدت خطواتها عند العتبة حينما رأت منذر واقفا أمامها
أردف قائلا بصوت خشن
سلامو عليكم!
تراجعت للخلف ضاغطة على شفتيها وهي تقول
وعليكم السلام
تهللت أسارير نيرمين لوجوده وابتسمت ببلاهة وهي محدقة به
أخذت تهدهد ابنتها بحركات سريعة نسبيا محاولة التحرك للجانب لرؤيته بوضوح
ابتسمت عواطف وهي تضيف بحرج قليل
معلش يا بني هانتعب معانا! إنت ملكش ذنب في الدوخة دي!
رد عليها بجمود
ولا دوخة ولا حاجة وقبل ما أنسى في موظف من الشهر العقاري جاي عندك البيت عشان توثيق العقود!
هزت رأسها بتفهم وهي ترد بحذر
طيب
نظرت إليه أسيف من طرف عينها فقد فهمت المقصود من عبارته هو أراد ترديد الأمر على مسامعها ليؤكد لها أن تملك حصة عمتها بدكانها
اختنق صدرها من مجرد التفكير في الأمر ولم تعقب عليه
سلط هو أنظاره عليها مراقبا ردة فعلها لكنه أثار ريبته تجاهله له
تنحنح بخشونة ثم أضاف قائلا بصوت آمر
اتفضلوا!
تنحى بعدها للجانب ليترك المجال لبسمة لتمر أولا ثم انتظر خروج والدتها خلفها
تباطأت نيرمين في خطواتها لتصبح ملاصقة له وبالتالي تتمكن من التحرك معه لكنه استدار برأسه ناحيتها ليرمقها بنظرات جافة وهو يقول بصرامة
اتفضلي! السكة واسعة!
ضاقت نظرات نيرمين نحوه وتلاشت ابتسامتها من وجهها ليحل التجهم عليه كانت كمن ينفث دخانا من أذنيه وهي تلحق بأختها وأمها
عرجت أسيف بقدمها اليسرى أثناء خروجها من المنزل محاولة استباقهما بخطواتها المتآلمة
أوقفها منذر مرددا بجدية
رايحة فين
رفعت أنظارها لتحدق فيه بغرابة
نازلة!
زاد عبوس وجهها وهي تضيف بتهكم ساخط
اطمن أنا مش هاهرب معدتش عندي طاقة أعمل حتى ده!
دنا منها بخطواته المفاجئة فارتعدت من اقترابه المهدد وانحنى فجأة نحوها
وقبل أن تنفرج شفتاها لتهتف بإستنكار صاح قائلا بهدوء واثق
زي ما طلعتك هنزلك!
توترت من حديثه الذي ألجم لسانها واكتسى لون بشرتها الذابل بحمرة دموية عجيبة
على الجانب الأخر أصبح وجه نيرمين ككتلة من الجمر المتقد على ألهبة نيران حامية حينما رأت هذا المشهد أمامها شهقت مذهولة من تصرفاته المتجاوزة مع من تمقتها وزادت نظراتها الشرسة إليها
كزت على أسنانها بقوة حتى كادت أن تحطمهم من فرط العصبية المكتومة داخلها
في حين عقدت جليلة ما بين حاجبيها متعجبة من أفعال ابنها الغامضة وحدقت فيه بغرابة شديدة
وضعت إصبعيها أسفل ذقنها ودققت النظر إليهما وهي تحدث نفسها بحيرة
الله! ماله شاغل بيها باله
ارتابت من ابنها إلى حد كبير خاصة أنه بدا أكثر توددا لتلك الفتاة عن ابنة عواطف التي تحثه على التفكير فيها
عقدت العزم على ألا تدع الأمر معلقا دون أن تثيره معه لاحقا ففي النهاية هي أم ومصلحة ولدها تعد شاغلها الأكبر والأهم!!!
يتبع التالي
الفصل الثاني والأربعون الجزء الأول
بدت منزعجة من تجاوز ابنها للأعراف والتقاليد المتبعة في منطقتهم الشعبية وتصرفه بعقلانية قليلة مع قريبة عواطف ربما هي تتعاطف معها لكنها لن تسمح بحدوث شيء غير لائق
أغلقت الباب بعد انصراف الجميع وسارت تفكر مليا فيما رأته عيناها استمرت في حك ذقنها وهي تحدث نفسها بضجر
مايصحش أسكت عن اللي شوفته ده حتى لو نيته يساعدها!
هزت جليلة رأسها بإيماءة واضحة وهي تضيف مستنكرة
بردك دي مش أصول وهو المفروض يبقى عارف ده والناس ليها الظاهر!
ظلت هكذا لعدة دقائق تحاول اقناع نفسها أن صمتها عما صار يعني رضاؤها التام وهو ما لم يحدث
هي لديها مخططات من أجله ولن تحيد عنها في الوقت الحالي ولن تدع أي شيء يعكر صفوها
ظل حاملا إياها طوال هبوطه على الدرج وهي بالطبع كانت في قمة خجلها منه هو يبرع في استغلال الموقف وهي مضطرة لمواكبته رغما عنها لم تخلو بشرتها من تلك الحمرة الساخنة التي اكتست وجهها كليا وتحاشت قدر المستطاع التحديق به على الرغم من إحساسها بأن نظراته لم تفارقها
أصاب حدسها الأنثوي في ذلك فمنذر واظب على مطالعتها بنظرات غريبة نظرات حملت بين طياتها خوفا من أن تلاقي تلك الهزيلة مصيرا مشابها للمراهقة المتوفاة هي مصادفة علقت مع شخص يعلم جيدا بنواياه الدنيئة ولكنها غير مدركة بعد لحقيقة الوضع لذلك أخذ على نفسه العهد أن يمنعه عنها مهما كلفه الأمر
لحقت بهما نيرمين وعيناها تطلقان شررا متقدا لو كان الحنق شخصا لتجسد ببشاعته ليعكس ما تشعر به الآن لم تتوقف عن رمقها بنظرات احتقارية مشټعلة فتلك البائسة تعيسة الحظ تنعم بما حرمت هي منه من أبسط الأحلام الوردية لأي فتاة مقبلة على الزواج
حرمت من زوج محب يدافع عنها ويحميها من شخص يخشى عليها من إصابتها بالسوء بل يفني عمره من أجلها هي فقط
فأسيف من وجهة نظرها تملك رغم يتمها الكثير والكثير وهي لن تقف في وضع المشاهد الصامت تراقب اندلاع شرارة التجاذب بينهما
خشيت نيرمين أن تعترف لنفسها بأنها تكن شيئا لذلك الذي يجذبها إليه رغم جفاءه معها بأن قلبها قد تحرك ونبض لأجله
ربما هي مجرد أوهام في عقلها ليست واثقة من تفكيرها لكنها إن تركت العنان لمشاعرها وسمحت لها بالخروج من بوتقتها سيظهر الأمر واضحا عليها
تريثت فيما تفكر به ومع ذلك ستمنع غيرها من التطلع إليه
بعد لحظات كان قد وصل بها إلى مدخل البناية وحينما اقترب من سيارته أنزلها على ساقيها اتكأت هي على كتف عمتها لتكمل المسافة القصيرة المتبقية سائرة بخطوات عرجاء
فتح منذر الباب الخلفي لسيارته لتركب بسمة أولا وانتصفت في جلستها بالمقعد لتشكل حاجزا بين أختها وابنة خالها
جلست إلى جوارها أسيف وفي الجانب الأخر نيرمين بينما جلست عواطف في المقعد
الأمامي
عدل هو من وضعية المرآة ليطالع من خلالها وجهها الحزين
بقيت أنظاره عليها وكذلك ظلت أنظار نيرمين تراقبه عن كثب
كانت دوما تعقد تلك المقارنة المؤلمة
تمنت لو شعر بتلك الحړقة المتأججة في نفسها أن تتعلق رغما عنك بمن لا يشعر بوجودك هي لم تنعم مطلقا بنظرات كتلك ولم تحظ بفرصة للتعبير عن مشاعرها تجاه طليقها فقط البؤس والإهانة حتى في أبسط الأشياء نفضت عن عقلها ذلك التفكير المرهق ورسمت على ملامح وجهها تعابير جامدة
فقبل أن تشرع في أي شيء عليها أن تتأكد أولا مما يؤرقها
أوقف السيارة عند المدخل تقريبا فترجلت أسيف سريعا منها لتهرب منه قبل أن يحاصرها بأفعاله التي تخجلها وتحاملت على نفسها تلك الآلام الموجوعة لتلج للبناية
لحقت بها بسمة ومن خلفهما كانت تسير عواطف بخطى متمهلة
أطفأ منذر المحرك واستعد للنزول والدخول للمدخل للتأكد من وصولهن للأعلى لكن أسرعت نيرمين بإعتراض طريقه لتمنعه من تكرار الأمر وشكلت بجسدها حائطا أمامه ثم ابتسمت هاتفة بنعومة مصطنعة
ربنا يخليك لينا يا سي منذر والله لولاك كنا بقينا في حوسة!
نظر لها بجمود وهو يرد بفتور
عادي يعني!
تابعت قائلة عن عمد
الحق يتقال مافيش زي شهامتك ولا جدعنتك وخصوصا مع
توقفت عن اتمام عبارتها لتخفض نبرتها قائلة بقصد
مع الكل حتى لو كان قليل الأدب وناكر للجميل!
انعقد ما بين حاجبيه مرددا بعبوس
نعم!!!
أشارت بكفها للخلف وهي توضح غموض عبارتها بتجهم خفيف
قصدي على القاسېة اللي معدنهاش ډم بنت خالي وشهامتك معاها مع إنها ماتستهلش!
التوى ثغرها بابتسامة تهكمية وهي تضيف بمكر
بس هي بردك زي أختك الصغيرة إنت أكيد اتصرفت معاها على الأساس ده صح
هتف مشدوها وقد ارتفع حاجبه للأعلى بإستنكار جلي
أختي!
ابتسمت ببلاهة وهي تكمل بخبث
اه ماهي لو مكانتش أختك مكونتش إنت تعبت نفسك عشانها وشلت همها معانا!
فهم منذر ما الذي ترمي إليه فانتصب في وقفته ورمقها بنظرات حادة هاتفا ببرود
أها ما انتو كلكو أخواتي!
اتسعت حدقتاها إلى حد كبير عقب جملته المتعمدة تلك وتابع بجفاء
وخصوصا إنتي!
انفرج ثغرها پصدمة أكبر وقبل أن تفيق منها استأنف حديثه بجمود مستفز
ويالا بقى عشان تلحقي أمك وأخواتك يا يا أختي!
رمقها بنظرات أخيرة جافة قبل أن يستدير بظهره ليركب سيارته ويقودها مبتعدا عنها
ظلت متسمرة في مكانها عدة لحظات محاولة استيعاب الموقف
غمغمت مع نفسها بغيظ
أخته مين! هو اللي هاعمله فيها هايطلع عليا والله ما يحصل أبدا!!!
عاودت تكرار العبارة الأخيرة هاتفة بإستنكار
هه بيقولي يالا ياختي أل أخته أل!
لاحقا دس في فمه الكثير من الطعام دفعة واحدة يلكوه بطريقة مقززة
نظر له أباه بنفور مرددا
بالراحة يا بني دي مش طريقة أكل!
رفع مجد أنظاره عن صحنه ليرد عليه بصوت متحشرج وبقايا
متابعة القراءة